أهوال القبور
علي عبدالعال الطهطاوي
موقع الاسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
ان الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ الا وأنتم مسلمون} آل عمران 102.
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجلال كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا}. النساء1.
{ يا أيها الناس اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} الأحزاب70-71.
أما بعد..
عزيزي القارئ كلنا نعلم الأدلة الدامغة على عذاب القبر ومنها ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال:" انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة".
أي ليس بكبير في زعمهما، والحق: أن ما يعذبان عليه ليس أمر كبير في فعله بل هو سهل ميسور ولكنه كبير عند الله تعالى وعذابه كذلك كبير.
واسمح لي عزيزي القارئ أن أقدم لك كتابنا (أهوال القبور) اقرأه بقلبك وعقلك وسوف نلتقي في الختام ان شاء الله تعالى ولله الحمد والمنّة.
وكتبه....... علي أحمد عبدالعال الطهطاوي.
بحث في كلمة القبر
قبر: القبر: مدفن الانسان، وجمعه قبور، والمقبر المصدر والمقبرة بفتح الباء وضمها: موضع القبور، والمقبرة ليس على الفعل ولكنه اسم. والمقبر أيضا موضع القبر وهو المقبرى: والمقبرة واحدة المقابر، قال عبدالله بن ثعلبة الحنفي:
أزور وأعتاد القبور ولا أرى
سوى رمس أحجار عليه ركود
لكل أناس مقبر بفنائهم
فهم ينقصون والقبور تزيد
وفي الحديث: نهي عن الصلاة في المقبرة، هي موضع دفن الموتى وتضم باؤها وتفتح، وانما نهى عنها لاختلاط ترابها بصديد الموتى ونجاستهم والحديث:" لا تجعلوا بيوتكم مقابر" أي لا تجعلوها لكم كالمقابر لا تصلون فيها، لأن العبد اذا مات وصار في قبره لم يصل ويشهد له قوله فيه:" اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا"، وقيل: معناه ولا تجعلوها كالمقابر التي لا تجوز الصلاة فيها. وقبره يقبره ويقبره: دفنه وأقبره جعل له قبرا وأقبر اذا أمر انسان بحفر قبر، وفي قوله تعالى:{ ثم أماته فأقبره} عبس 21، أي جعله مقبورا من يقبر ولم يجعله للطير والسباع ولا ممن يلقى في النواويس، وكان القبر مما أكرم به المسلم. ومما أكرم به بنو آدم ولم يقل فقبره لأن القابر هو الدافن بيده، والمقبر هو الله تعالى لأنه صيّره ذا قبر وليس فعله كفعل الآدمي، والاقبار أن يهيئ قبرا أو ينزله منزله وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه أن الرجل ولد مقبورا يعني أن أ/ه وضعته وعليه جلدة مصمتة ليس فيها شق ولا نقب فقالت قابلته: هذه سلمة وليس ولدا فقالت: امه بل ولد وهو مقبور فيها فشقوا عنه فاستهل وأقبره جعل له قبرا يوارى فيه ويدفن فيه، وأقبرته! أمرت بأن يقبر، وأقبر القوم قتيلهم: أعطاهم اياه يقبرونه وأرض قبور يعني غامضة. لسان العرب 10\11.
استهل: أحدث صوتا.
هذا والنبي صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد".
يا أهل مصر يا علماء مصر هناك فرق بين القبر والمقصورة، أوجه سؤال الى كل مسلم أو عالم في مصر المحروسة: من أين أتيتم بدليل هذه المقصورة والقباب والمقامات؟ هل رأيتم قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ هل رأيتم بقيع الغرقد اتقوا الله في هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم.
حياة البرزخ
أخي القارئ الفاضل: اني أعرّفك بالبرزخ والذي هو ما بعد الموت مباشرة، وهو الحاجز بين الشيئين، وهو أيضا ما بين الدنيا والاخرة، من وقت الموت الى البعث، فمن مات فقد دخل البرزخ، يقول الله عز وجل عن البرزخ:{ حتى اذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون* لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون}المؤمنون 99-100.
أي حتى اذا حضر الموت أحدهم وعاين أهواله وشدائده{ قال رب أرجعون} أي قال تحسرا على ما فرط منه: رب ردني الى الدنيا، وصفة الجمع للتعظيم { لعلي أعمل صالحا فيما تركت}. أي لكل أعمل صالحا فيما ضيّعت من عمري { كلا انها كلمة هو قائلها} {كلا} كلمة عن ذلك فان طلبه كلام لا فائدة فيه ولا جدوى منه هو ذاهب الى أدراج الرياح وأمامهم حاجز يمنعهم عن الرجوع الى الدنيا، وهو عالم البرزخ، الذي يحول بينهم وبين الرجعة يلبثون فيه الى يوم القيامة قال مجاهد: البرزخ هو الحاجز ما بين الدنيا والآخرة.
الموعظة عند القبر
عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس، وجعل ينكت بمخصرته، ثم قال:" ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة" فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا؟ قال:" اعملوا فكلوا ميسر لما خلق له". متفق عليه.
أفاد الحديث:
استحباب الموعظة عند القبر لأنها حينئذ تكون أنفع لأن رؤية الموت ترقق القلوب، وفيه أن الله تعالى عالم بمصائر الناس من سعادة وشقاوة، وعلم الله هذا لا يتعلق بالاجبار على الأعمال ولكنه علم مسبق بأن فلانا سيعمل باختياره عمل الصالحين فيكون من السعداء، وأن فلانا سيعمل باختياره عمل الفاسقين فيكون من الأشقياء وما دام علم الله تعالى غيب من الانسان فلا يصح ترك العمل اتكالا على علم الله تعالى، بل الواجب أن يسعى الانسان بكسب الخير فان الله قدره على ذلك وأوجبه عليه وسيحاسبه على عمله الاختياري لا على علمه سبحانه بما سيعمل عبده.
الدعاء للميت بعد دفنه
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال:" استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فانه الآن يسأل" راوه أبو داود.
لغة الحديث: اسألوا له التثبيت: أي أطلبوا له من الله تعالى أن يثبت لسانه عند سؤال الملكين له في قبره.
أفاد الحديث:
استحباب الوقوف عند القبر بعد الدفن والدعاء للميت بأن يثبته الله تعالى بالقول الثابت حين يسأله الملكان، فالمؤمن يلهمه الله تعالى الحجة ويقول: الله ربي والاسلام ديني، وأما الكافر والمنافق فيقول: هاها لا أدري، كما ثبت في الحديث، وأفاد أن سؤال الملكين للميت في القبر حق.
الميت يستأنس بالأحياء
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: اذا دفنتموني فأقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور، ويقسّم لحمها حتى أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي. رواه مسلم.
أفاد الحديث:
استئناس الميت بدعاء اخوانه وأهله له عند قبره.
مخاطبة القبر للميت
أخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أكثروا ذكر هادم اللذات فانه لم يأت على القبر يوم الا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة، وأنا بيت الوحدة، وأنا بيت التراب، وأنا بيت الدود، اذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحبا وأهلا أما أن كنت لأحب من يمشي على ظهري اليّ، فاذا وليتك اليوم وصرت اليّ فسترى صنعي بك فيتسع له مد بصره، ويفتح له باب الى الجنة".
" واذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر: لا مرحبا ولا أهلا أما أن كنت لأبغض من يمشي على ظهري اليّ، فاذا وليتك اليوم وصرت اليّ فسترى صنعي بك. قال: فيلتئم عليه حتى يلتقي وتختلف أضلاعه". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ويقيض الله له سبعين تنينا لو أن واحدا منهم نفخ في الأرض ما انبتت شيئا ما بقيتا الدنيا، فتنهشه وتخدشه حتى يفضي به الى الحساب".
ضغطة القبر، ولا نجاة لأحد منها
أخرج أحمد والحكيم الترمذيفي نوارد الأصول، والبيهقي في كتاب " عذاب القبر"، عن حذيفة قال: منا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما انتهينا الى القبر قعد على شقه، فجعل يردد بصره فيه ثم قال:" يضغط فيه المؤمن ضغطة تزول منها حمائله، ويملأ على الكافر نارا في النهاية".
قال الأزهري: الحمائل هنا عروق الأنثيين. قال: ويحتمل أن يراد موضع حمائل السيف، أي عواتقه وصدره وأضلاعه.
وأخرج أحمد وابن جرير في : تهذيب الآثار" والبهقي، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ان للقبر ضغطة لو كان أحد منها ناجيا لنجا منها سعد بن معاذ".
وأخرج ابن ابي الدنيا عن محمد التيمي قال: كان يقال: ان ضمة القبر انما أصلها أنها أمهم، ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة، فلما رد اليها أولادها ضمتهم ضم الوالدة التي غاب عنها ولدها، ثم قدم عليها، فمن كان مطيعا لله ضمته برأفة ورفق، ومن كان عاصيا ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها.
ما يحبس الروح عن مقامها الكريم
أخرج الترمذي وابن ماجه والبهقي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عليه"
قال العلماء: معلقة أي محبوسة عن مقامها الكريم.
وأخرج الطبراني، عن أنس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وأتي برجل يصلي عليه، فقال:" هل على صاحبكم دين" قالوا: نعم، قال:" فما ينفعكم أن أصلي على رجل روحه مرتهن في قبره لا يصعد روحه الى السماء، فلو ضمن رجل دينه قمت فصليت عليه فان صلاتي تنفعه".
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت" من طريق يسار بن حسن قال: خرج أبي وعبدالواحد بن زيد يريدان الغزو فهجموا على ركية (بئر أو ساقية) عميقة واسعة فأدلوا حبالهم بقدر فاذا القدر قد وقعت في الركية قال: فقرنوا حبال الرفقة بعضها ببعض، ثم دخل أحدهما الى الركى، فلما صار ببعضها اذا هو بهمهمة (صوت) في الركى، فرجع، فصعد فقال: أتسمع ما اسمع؟ قال: نعم، فناولني العامود فأخذ العامود، فدخل في الركية فاذا هو برجل جالس على ألواح، وتحته الماء، فقال: أجني أم أنسي؟ قال: بل أنسي، قال: ما أنت؟ قال: أنا من أهل أنطاكية، واني مت، فحبسني ربي هنا بدين عليّ وان لي ولدا بأنطاكية لا يذكروني ولا يقضون عني، فخرج الذي كان في الركية، فقال لصاحبه: غزوة بعد غزوة، فدع أصحابنا يذهبون، فساروا الى أنطاكية، فسألوا عن الرجل وعن بنيه، فقالوا نعم انه لأبونا، وقد بعنا ضيعة لنا، فامشوا معنا حتى نقضي عنه دينه، قال: فذهبوا معهم حتى قضوا ذلك الدين، ثم رجعوا من انطاكية حتى أتوا موضع الركية، ولا يشكون أنها ثمّ، فلم يكن ركية ولا شيء، فأمسوا فيأتوا هناك، فاذا الرجل قد أتاهم في منامهم وقال: جزاكم الله خيرا، فان الله حولني الى مكان كذا وكذا من الجنة حيث قضى ديني. أهوال القبور ابن رجب 127.
اثبات عذاب القبر
عن أم مبشر قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:" تعوّذي بالله من عذاب القبر" فقلت: يا رسول الله وللقبر عذاب؟ قال:" انهم ليعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم". صحيح ابن حبان.
وقال هانئ مولى عثمان بن عفان: كان عثمان رضي الله عنه اذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته، فيقال له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي فقال:" اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" القبر أول منزل من منازل الآخرة فان نجا منه فما بعده أيسر منه وان لم ينج منه فما بعده أشد".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله:" تبتلى هذه الأمة في قبورها فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة؟ قال:{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. رواه البزار.
حديث سمرة بن جندب
أخرج البخاري والبيهقي، عن سمرة بن الجندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه:" هل رأى أحد منكم رؤيا؟" فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، قال: وانه قال لنا ذات غداة [ أول النهار]:" انه أتاني الليلة ىتيان، وانهما قالا لي: انطلق واني انطلقت معهما، وانا أتينا على رجل مضطجع (نائم)، واذا آخر قائم عليه بصخرة، واذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه ( يشقه) فيتدهده (يتدحرج) الحجر ههنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع اليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثلنا فعل المرة الأولى! قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ فقالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، واذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد،، واذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر ( يقطع) شدقه الى قفاه، ثم يتحول الى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ فقالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، فاذا فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه، فأحسب أنه قال: فاذا فيه رجال ونساء عراة، واذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فاذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ( صاحوا) قلت:: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم، واذا في النهر رجل سابح يسبح واذا على شط لنهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، واذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي جمع عنده الحجارة فيفغر ( يفتح) له فاه، فيلقمه حجرا فينطلق فيسبح، ثم يرجع اليه، كلما رجع اليه فغر (فتح) له فاه فيلقمه حجرا، قلت لهما: ما هذان؟ فقالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة (منظر قبيح) أو كأكره ما أنت راء فاذا هو عنده نار يحشها (يوقدها) ويسعى حولها، قلت لهما: ما هذا؟ فقالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمدة (وافية النبات) فيها من كل نور الربيع (الزهر) واذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، واذا حول الرجل من أكثر ولدان ما رأيتهم قط قلت: ما هذا وما هؤلاء قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فانتهينا الى دوحة عظيمة (شجرة) لم أر دوحة قط أعظم منها ولا أحسن. قالا لي: ارق فيها، فارتقينا فيها، الى مدينة مبنية بلبن (طوب) ذهب ولبن وفضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء! وشطر منهم أقبح ما أنت راء قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، واذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض. فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا الينا، وقد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة قال: قالا لي: هذه جنة عدن وهاذاك منزلك، فسما بصري صعدا، فاذا قصر مثل الربابة البيضاء قالا لي: هذاك منزلك؟ قلت لهما: بارك الله فيكما فذراني فأدخله. قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله! قلت لهما: بارك الله فيكما فذراني فأدخله. قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله! قلت لهما: فاني رأيت منذ الليلة عجبا؟ فما هذا الذي رأيت؟ قالا لي:
أما انا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فانه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام على الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه الى قفاه، فانه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور، فانهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فانه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها فانه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فانه ابراهيم عليه السلام، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة" وفي رواية البرقاني " ولد على الفطرة" فقال بعض المسلمين: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ قال:" وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح، فانهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم". رواه البخاري.
قال العلماء: هذا نص في عذاب البرزخ، فان رؤية الأنبياء وحي مطابق لما في نفس الأمر، وقد قال: يفعل به الى يوم القيامة.
أسباب عذاب القبر مجملة
عزيزي القارئ: يجب أن تعلم أن كل هؤلاء لهم من عذاب القبر نصيب فاحذر أيها المسلم الكريم أن تكون واحدا من هؤلاء فيكون لك من عذاب القبر نصيب:
النمام والكذاب زالمغتاب وشاهد الزور وقاذف المحصن.
الداعي الى البدعة فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
القائل على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما لا علم به.
آكل الربا وآكل أموال اليتامى وآكل السحت من الرشوة.
شارب المسكر وآكل لقمة الشجرة الملعونة (الحشيش).
الزاني واللواط والسارق والخائن والغادر والمخادع والماكر.
آخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه والمحلل والمحلل له.
المحتال على اسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه.
مؤذي المسلمين ومتتبع عوراتهم.
الحاكم بغير ما أنزل الله والمبدل لشرع الله فيقدم القوانين الوضعية على حكم الله سبحانه.. وهذا بهتان عظيم.
المفتي بخلاف ما شرعه الل، والمعين على الاثم والعدوان.
قاتل النفس التي حرم الله والملحد في حرم الله.
المعطل لحقائق أسماء الله وصفاته والملحد فيها.
المقدم رأيه وسياسته على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
النائحة والمستمع اليها بلا انكار.
نواحي جهنم وهم المغنون الغناء الذي حرمه الله ورسوله والمستمع اليهم.
الذين يبنون المساجد على القبور ويوقدون عليها القناديل والسرج.
المطففون في استيفاء مالهم اذا أخذوه وهضم ما عليهم اذا بذلوه.
الجبارون والمتكبرون والذين يستعبدون الناس.
المراءون والهمازون واللمازون والطاعنون على السلف.
الذين يأتون الكهنة والمنجمين والعرافين فيسألونهم ويصطقونهم.
أعوان الظلمة، الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم.
الذي اذا خوّفته بالله وذكّرته به لم يرعو ولم ينزجر فاذا خوّفته بمخلوق مثله حاف وارعوى وكف عما هو فيه.
الذي اذا هدي بكلام الله ورسوله فلا يهتدي ويرفع به رأسا فاذا بلغه عمن يحسن الظن ممن يصيب ويخطئ عض عليه بالنواجذ ولم يخالفه.
الذي يقرأ عليه القرآن فلا يؤثر فيه وربما استثقل به فاذا سمع قرآن الشيطان ورقية الزنا ومادة النفاق طاب يرّه وتواجد وهاج من قلبه وادعى الطرب وود لو أن المغني لا يسكت.
الذي يحلف بالله تعالى كذبا فاذا حلف بالبندق أو برأس شيخه أو قريبه أو حياة من يحبه ويعظمه من المخلوقين لم يكذي ولو هدد وعوقب.
الذي يفتخر بالمعصية ويتكاثر بها بين اخوانه وأقربائه وهو المجاهر.
الذي لا تأمنه على مالك وحرمتك.
الفاحش اللسان البذيء الذي تركه الخلق اتقاء شره وفحشه.
الذي يؤخر الصلاة الى آخر وقتها وينقرها ولاي ذكر الله فيها الا قليلا.
الذي لا يؤدي زكاة ماله طيبة بها نفسه ولا يحج مع قدرته على الحج.
الذي لا يؤدي ما عليه من الحقوق مع قدرته عليها، ولا يتورع من لحظة ولا لفظة ولا اكلة ولا خطوة.
الذي لا ببالي بما حصل المال من حلال أو حرام.
الذي لا يصل رحمه ولا يرحم المسكين ولا الأرملة ولا اليتيم ولا الحيوان البهيم بل يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ويرائي العالمين ويمنع الماعون.
الذي يشتغل بعيوب الناس عن عيبه وبذنوبهم عن ذنوبه.
أسباب عذاب القبر مفصلة
عذاب الميت ببعض أقوال أهله فيه: قال صلى الله عليه وسلم:" ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه واسنداه أو نحو ذلك الا وكّل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت؟!". صحيح الجامع 5788.
عذاب عدم التنزه من البول
قال الله تعالى:" وثيابك فطهر" المدثر 4.
أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والآجري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه".
ثم ان من لم يتحرز من البول في بدنه وثيابه فصلاته غير مقبولة.
وأخرج ابن ابي الدنيا عن ميمونة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا ميمونة تعوذي بالله من عذاب القبر، وان من أشد عذاب القبر الغيبة والبول".
عذاب النميمة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال:" انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة واما الآخر فكان لا يستبرئ من البول". متفق عليه.
وأخرج أحمد والأصبهاني عن يعلى بن سيابة ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قبر يفتن صاحبه فقال:" ان هذا كان يأكل لحوم الناس" ثم دعا بجريدة رطبة فوضعها على قبره وقال:" لعله أن يخفف عنه ما دامت رطبة".وهذه خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يفعلها بعده أحد من الصحابة.
عذاب الذي لا ينصر المظلوم
وصلى بغير وضوء
أخرج ابن أبي شيبة وهناد ابن أبي الدنيا، عن عمر بن شرحبيل قال: مات رجل يرون أن عنده درعا فأتي في قبره فقيل: انا جالدوك مئة جلدة من عذاب الله، فقال: فيم تجلدوني، قد كنت أتوقى وأتورّع؟ قيل: خمسون، فلم يزالون يناقصون حتى صار الى جلدة فجلد فالتهب القبر عليه نارا ثم أعيد فقال: فيم جلدتموني؟ قالوا: صليت يوما على غير وضوء، ومررت بمظلوم يستغيث فلم تغثه.
عذاب الذي لم يغتسل من الجنابة
روى الهيثم بن عدي حدثنا أبان بن عبدالله البجلي قال: هلك جار لنا، فشهدنا غسله وكفنه، وحمله الى قبره، واذا شيء في قبره شبيه الهرة، فزجرناه فلم ينزجر، فضرب الحفار جبهته برمته فلم يبرح فتحولنا الى قبر آخر، فلما ألحدوا فاذا هو فيه، فصنعنا مثل ما صنعوا أولا فلم يبرح يلتفت، فرجعوا الى قبر ثالث، فلما ألحدوا واذا ذاك الهر فيه،فصنعوا فيه مثل ما صنعوا أولا، فلم يلتفت، فقال بعض القوم: يا هؤلاء ان هذا الأمر ما رأينا مثله، فادفنوا صاحبكم، فدفنوه فلما سوى عليه اللبن، سمعوا قعقعة عظامه، فذهبوا الى امرأته فقالوا: يا هذه ما كان يعمل زوجك؟ وحدثوها بما رأوه، فقالت كان لا يغتسل من الجنابة.
عذاب الغلول
أخرج أحمد والنسائي وابن خزيمة والبيهقي عن أبي رافع قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع فقال:" أف اف" فظنت أنه يريدني، فقلت يا رسول الله أحدثت شيئا؟ قال:" وما ذاك؟" قلت: أففت مني؟ قال:"لا، ولكن صاحب هذا القبر فلان بعثته ساعيا على بني فلان، فغل درعا فدرعه الآن مثلها في النار".
عذاب الشارب والسارق
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مسروق قال: ما من ميت يموت وهو يسرق أو يزني أو يشرب أو ياتي شيئا من هذه الا جعل معه شجاعان ينهشانه في قبره.
عذاب المكاس
قال ابن القيم: حدثنا أبو عبدالله بن أحمد الحراني أنه خرج من داره بعد العصر الى بستان فلما كان قبل غروب الشمس توسط القبور، واذا قبر منها وهو جمرة نار مثل كور الزجاج والميت في وسطه قال، فسألت عن صاحب القبر، فاذا هو مكاس قد توفي في ذلك اليوم.
ويدخل في المكاس: جابي الضرائب والجمارك وقاطع الطريق.
عذاب الميت بما نيح عليه
أخرج الشيخان، عن عائشة رضي الله عنها أنه قيل لها ان عمر يرفع الى النبي صلى الله عليه وسلم:" ان الميت يعذب ببكاء الحي" قالت:" انما قال:" أهل الميت يبكون عليه وانه ليعذب بجرمه"
وأخرج ابن سعد عن يوسف بن ماهك قال: رأيت ابن عمر حفر جنازة رافع بن خديج، فقال: ان الميت ليعذب بقبره ببكاء الحي عليه، فقال ابن عباس( ان الميت لا يعذب ببكاء الحي) وقد ورد حديث الميت يعذب ببكاء الحي ايضا في رواية ابي بكر الصديق رضي الله عنه أخرجه أبو يعلى بلفظ :" ان الميت ينضح عليه الحميم ببكاء الحي" وعمر بن الخطاب ولفظه:" ان الميت يعذب بالنياحة عليه في قبره". رواه البخاري.
قال العلماء: ان المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يندب به أهله لحديث الترمذي والحاكم وابن ماجه مرفوعا:" ما من ميت يموت فتقوم نادبته تقول: واجبلاه واسنداه أو شبه ذلك الا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت؟".
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال: أغمي على عبدالله بن رواحة فقامت النائحة. فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد أفاق فقال: يا رسول الله أغمي عليّ فصاحت النساء، واعزاه واجبلاه مقام ملك معه مرزبة فجعلها بين رجلي فقال: أنت كما تقول؟ قلت لا. قال: فلو قلت نعم ضربني بها.
عذاب من يمشي بالنميمة
في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقبؤين فقال:" انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما انه كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" ثم أخذ جريدة رطبة فشقها اثنين ورز في كل قبر واحدة وقال:" لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" رواه الجماعة.
وقوله:" ما يعذبان في مبير" أي ليس بكبير تركه عليهما أو ليس بكبير في زعمهما ولهذا قال في الرواية الأخرى " بلى انه كبير".
الجهل بالله تعالى
قال العلماء: من الأسباب الموجبة لعذاب القبر، الجهل بالله وعدم اطاعة أوامره وارتكاب نواهيه أي معاصيه، المفضية الى غضب الله وعذابه فمنشغل ومستنكر، وقد عين النبي صلى الله عليه وسلم للوقوع في عذاب القبر أسباب كثير ذكرنا بعضا منها في حينها ولما كان أكثر الناس مستخفا بأكثر النواهي، وكان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل الا ان عفا الله تعالى وهو اهل التقوى واهل المغفرة.
عذاب الذي كان يشتم أمه
أخرج ابن ابي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت، من طريق شهاب بن حراش عن عمه القوام بن حوش عن مجاهد قال: أردت الحاجة (بول أو براز) فبينما أنا في الطريق اذا فجأت حمار، قد أخرج عنقه من الأرض، فنهق في وجهي ثلاث ثم دخل، فأتيت القوم الذين أردتهم، فقالوا: ما لنا نرى لونك قد حال، فأخبرتهم الخبر، فقالوا: ذلك الغلام وتلك أمه في تلك الخباء (الخيمة)، وكانت اذا أمرته بشيء شتمها وقال: ما أنت الا حمار، فتفل في وجهها فمات فدفناه في ذلك الحفير فما من يوم، الا وهو يخرج رأسه في الوقت الذي جفناه، فينهق الى ناحية الخباء ثلاث مرات ثم يخل. أهوال القبور.
عذاب التي كانت تتجسس على الجيران
قال ابن ابي الدنيا: وحدثنا سويد بن سعيد حدثنا الحكم بن سنان عن عمرو بن دينار، قال: كان رجل من أهل المدينة له أخت فماتت فلما دفنها، ورجع الى أهله، ذكر أنه مسي كيسا كان معه في القبر، فاستعان برجل من أصحابه، فأتيا القبر فنبشاه، فوجدا الكيس، فقال للرجل: تنح حتى أنظر على أي حال أختي، فرفع بعض ما على اللحد فاذا القبر يشعل نارا، فرده، وسوّى القبر، ورجع الى أمه فسألها عن حال أخته، فقالت: كانت تؤخر الصلاة عن وقتها، ولا تصلي فيما أظن بوضوء، وتأتي أبواب الجيران اذا ناموا، فتلقم أذنها أبوابهم فتخرج حديثهم.
عذاب الذي كان يسرق الطعام ويغشه
هذا الرجل كان يسرق من الطعام الذي كان يبيعه للناس ثم يضع بدلا منه طعاما رديئا من الداخل ويضع جميلا من الخارج يعني سارق وغشاش.
روي عن ابن أبي الدنيا من طريق عمر بن هارون عن عبدالحميد بن محمود المغولي قال: كنت جالسا عند ابن عباس، فأتاه قوم، فقالوا: انا خرجنا حجاجا ومعنا صاحب لنا حتى اتيناه وذات الصفاح، فمات، فهيأناه، ثم انطلقنا فحفرنا له قبرا، ولحدنا له لحدا، فلما فرغنا من لحده اذ نحن بأسود (الثعبان) قد ملأ اللحد، وحفرنا له موضعا آخر، فلما فرغنا من لحده، اذا نحن بأسود قد ملأ اللحد، فتركناه وأتيناك فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ذلك عمله الذي كان يعمل به، انطلقوا فادفنوه في بعضها فلما رجعنا قلنا لامرأته: ما كان يعمل ويحك؟ قالت: كان يبيع الطعام فيأخذ كل يوم قوت أهله، ثم يقرظ لبقصب مثله، فيلقيه فيه. اهوال القبور 74.
عذاب الذي مات على غير السنة
روينا من طريق أبي اسحاق الفزاري أنه شال نباشا قد تاب، فقلت: أخبرني عمن مات على الاسلام أترك وجهه على ما كان أم ماذا؟ قال: فكتبت بذلك الى الأوزاعي فكتب اليّ: انا لله وانا اليه راجعون ثلاث مرات، من حوّل وجهه عن القبلة فانه مات على غير السنة. أهوال القبور 76.
تأذي الميت بما يبلغه من الأحياء من القول فيه والنهي عن سبه
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تسبوا الأموات فانهم قد أفضوا الى ما قدموا" وأخرج النسائي عن صفية بنت جحش قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء فقال:" لا تذكروا هالككم الا بخير".
وأخرج أبو داود والترمذي وابن أبي الدنيا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم".
تأذيه بسائر وجوه الأذى
أخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن عقبة ابن عامر الصحابي رضي الله عنه قال: لأن أطأ على جمرة وعلى حد سيف، حتى يخطف رجلي أحب اليّ من أن أمشي على قبر رجل مسلم وما أبالي في القبور قضيت حاجتي، أم في السوق بين ظهرانيه. والناس ينظرون). وأخرجه ابن ماجه عن حذيفة مرفوعا.
وأخرج ابن أبي النيا في كتاب القبور عن سليم بن عثر أنه مر على مقبرة وهو حاقن قد غلبه البول، فقيل له: لو نزلت فبلت، قال: سبحان الله والله اني لأستحي من الأموات كما أستحي من الأحياء.
وأخرج الطبراني والحاكم وابن منده عن عمارة بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على قبر فقال:" يا صاحب القبر انزل من على القبر لا تؤذي صاحب القبر ولا يؤذيك".
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه سئل عن الوطء على القبر قال: كما أكره أذى مؤمن في حياته فاني أكره أذاه بعد موته.
وأخرج ابن أبي شيبة عنه قال: ( أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته).
وأخرج ابن منده عن القاسم بن مخيمرة قال: لأن أطأ على سنان رمحي حتى ينفذ من قدمي أحب اليّ من أن أطأ على قبر وان رجلا وطئ على قبر وان قلبه ليقظان اذ سمع صوتا من القبر اليك عني يا رجل لا تؤذني. كتاب شرح الصدور للسيوطي ص 30.
وأخرج مسلم والبخاري:" ان الميت يعذب في قبره بما نيح عليه".
أما اذا أوصى في حياته بعدم النوح فلا يعذب بذلك والله اعلم، وانظر أحكام الجنائز ص 28-19.
خاتمة:
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
{ سبحان ربك رب العزة عما يصفون* وسلام على المرسلين* والحمد لله رب العالمين}.
وكتبه ...على أحمد عبدالعال الطهطاوي