لقد أقمت الحجة على نفسك

تقبل الله منا و منكم.
و أعاننا على الثبات على الطاعات حتى الممات.
لقد
كنا بالأمس القريب نقول كيف نستقبل رمضان و ها نحن اليوم نقول و ماذا بعد
رمضان؟ و هكذا الأيام و هكذا العمر يمر مر السحاب. و ان شئت فاسأل ذا
الستين أو السبعين. كيف مرت عليه هذه الستون أو السبعون سنة؟ سيجيب أنها
مرت كأنها بين عشية و ضحاها.
اذن
فلابد لنا من وقفة حاسمة مع أنفسنا و نحن نودع شهرنا. و قفة نتدبر فيها
حالنا و نعقد فيها عزمنا على الثبات على الطاعات حتى الممات. و لا يضحك
عليك الشيطان و يقول لك أن رمضان قد انتهى و حان وقت الراحة. فقد سئل
الامام أحمد: متى الراحة؟ فقال : عند أول قدم أضعها في الجنة.

و
أقول لقد أقمت الحجة على نفسك فقد كنت طوال الثلاثين يوما الماضية تصوم
النهار و تذهب الى عملك صائما ممسكا للسانك و جوارحك عن كل ما يغضب الله عز
و جل ثم تعود من عملك لتفطر ثم تنطلق الى المسجد لتصلي العشاء و القيام ثم
تعود الى بيتك لتنام قليلا ثم تستيقظ لتتهجد بين يدي مولاك و تدعوه و
تستغفره ثم تتسحر و تصلي الفجر ثم تنطلق الى عملك ثانية. تأمل حالك في هذه
الثلاثين يوما و فكر.... ستجد انك قد أقمت الحجة على نفسك بفعلك هذا فأنت
تصوم النهار و تقوم الليل طوال ثلاثين يوما متتالية و ليس ليوم أو يومين
فنقول أنها طفرة او ما الى ذلك. انتبه و تدبر .... لم يعد هناك مجال
للأعذار الواهية او ان شئت فقل الكاذبة... تقول لنفسك قومي لله بركعتين في
جوف الليل
فترد عليك قائلة اني متعبة اليوم فلنصل غدا أو بعد غد. و انت الذي كنت
تصلي لله في الليلة سبعة عشر او تسعة عشر ركعة تقول الان اني متعب أو اني
مرهق. معذرة أخي الحبيب أنت تكذب على نفسك و بعدها تكذب على من خلقك.....
أنت الذي أقمت الحجة على نفسك.... يا من كنت تصلي لله طوال الليل و تصوم
لله طوال النهار و تقرأ القران و تتصدق و تدعو و تتبتل..... أيعقل الان بعد
كل هذا أن تهجر الطاعات و القربات بالكلية بل و تعود لتلقي بنفسك في أحضان
الشهوات و النزوات.... كلا يا عبد الله انك بذلك تكون كالتي نقضت غزلها من
بعد قوة أنكاثا... و اعلم يا رعاك الله أن من أهم علامات قبول العمل
الصالح هو الاستمرار على العمل بعد انقضاء موسمه.... فالزم ما ألزمت به
نفسك و لا تعد لاسترضاع ثدي الهوى بعد الفطام فان من ذاق حلاوة القرب من
مولاه لا يليق به أبدا أن يعود ثانية لنفسه و شيطانه. و أعود و أذكر ....
أنت الذي أقمت الحجة على نفسك.
و
لكن لكي نكون منصفين معك نقول أن الجو الايماني و التهيئة الروحانية التي
كانت في رمضان غير موجودة في غيره من الشهور.... ففي رمضان تصفد الشياطين و
تفتح أبواب الجنان و تغلق أبواب النيران و يجتمع كل الناس على العبادة و
الطاعة و هذا الاجتماع يبعث في النفس نشاطا و اقبالا على الله... أما في
غيره من أيام العام فالشياطين منطلقة و كل الناس منشغل بدنياه غير مقبل على
مولاه الا من رحم الله. و لذلك فان طلبنا منك الحفاظ على ما كنت عليه في
رمضان في غيره من أيام العام نكون بذلك نكلفك ما لاتطيق. فالعدل و الانصاف
أن نطلب أن تحافظ محافظة تامة على كل أصناف العبادة و الطاعة التي أديتها
في رمضان و لكن بمقادير أقل و نتذكر في ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم "
أحب الأعمال الى الله أدومها و ان قل " فالحفاظ على العبادة القليلة و
المداومة عليها أحب الى الله من الاجتهاد في العبادة جدا في وقت ثم هجر هذه
العبادة بالكلية في وقت آخر. اذن لابد أن يكون لك ورد من الليل (ركعتين أو
أربع بحزب من القران أو جزء) في كل ليلة. و تواظب على صيام الاثنين و
الخميس و الأيام القمرية من كل شهر. و تحافظ على قراءة ورد ثابت من القران
يوميا. و تلزم نفسك بمبلغ شهري ثابت تتصدق به الى الله عز و جل الى غير ذلك
من الأعمال الصالحة التي تتقرب بها الى الله عز و جل. ناهيك عن هجر الذنوب
و المعاصي كلها بالكلية فتمسك لسانك عن الكذب و الغيبة و النميمة و غير
ذلك من افات اللسان و تغض بصرك عما حرم الله.... فانك بذلك تكون ممن قال
الله عز و جل فيهم " ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم
الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا " جعلني الله و اياكم منهم.
أختم كلمتي الوجيزة معكم بقول الله عز و جل " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب ".
و
الله أسأل ان يتقبل منا أعمالنا على ما فيها من نقص و عوج و تقصير و أن
يعيد علينا رمضان أعواما عديدة و أزمنة مديدة و أن يثبتنا على الطاعة و ألا
يجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ علمنا و ان يحعلها في أيدينا ولا يجعلها
في قلوبنا و أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها و خير أيامنا يون نلقاه. انه ولى
ذلك و القادر عليه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

شكرا لمروركم

» صيام العشر أو التسع الأيام من ذي الحجة
» هل أمِّنت على نفسك؟! "تدرَّب على ذلك قبل رمضان"
» كيف تهيئ نفسك لاستقبال رمضان؟

لقد أقمت الحجة على نفسك

لقد أقمت الحجة على نفسك

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة