الحمد لله الذي بيده الأمر، يقلب الليل والنهار، وجعل في تعاقبهما آية
للذكرى والاعتبار، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام لله الواحد القهار،
نبينا محمد القدوة الحسنة لأولي الأبصار، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان
إلى يوم العرض على العزيز الغفار وبعد
فبدخول شهر رمضان، وإدراكنا هذا الشهر، يكون الفضل أولاً وآخرًا لله الكريم
الذي بلغنا هذا الشهر، وَغَمَرَتْنَا فيه نعماؤه، ووسع البرية جوده وعطاؤه
في هذا الشهر العظيم يتقرب المسلمون إلى ربهم جل وعلا بترك شهوات البطن
والفرج، وقد ذكر الله تعالى ذلك في الحديث القدسي بقوله عز وجل «يدع طعامه
وشرابه وشهوته من أجلي»
بل إن البعض ممن لم يتزوج ونوى الزواج يبتعد عن فعل ذلك في رمضان ليسهل
عليه التعبد في رمضان، وكذلك لكيلا يقع في محظور مع أهله في وقت الصيام،
كما حدث لمن جاء إلى النبي يقول له هلكت قال «ما أهلكك؟» قال وقعت على أهلي
وأنا صائم وعلى هذا فما حكم النكاح في رمضان؟
النكاح في رمضان
النكاح لغة الضم والتداخل، وسُمي به العقد، وهو أكثر استعماله ؛ كقوله
تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ
ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ الأحزاب ، كما
يستخدم للوطء، والقرائن تحدد، فإذا قيل نكح فلان فلانة فهو العقد، وإذا قيل
نكح فلان زوجته، فهو الوطء
ويرد بمعنى بلوغ الحُلُم ؛ كقوله تعالى وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ
ويلاحظ أن معاني الجماع تأتي في القرآن دائمًا بما يدل عليه كناية لاستقباح
ذكره، وهذا من الأدب والحياء الذي جاء به ودعا إليه القرآن الكريم، فيا
ليت الكثير من أهل الإسلام يعي هذه الحقيقة
ويدرك فوائدها، قال تعالى وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ ، وقال وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، وقال
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ وقال أيضًا أَوْ لاَمَسْتُمُ
النِّسَاءَ وعلى هذا الطريق سار رسول الله ، فقال «لو أن أحدكم إذا أتى
أهله » وقال «حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته»
وقد ورد الندب إلى النكاح في قوله تعالى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ النساء ، وذلك في سائر الشهور
والأيام بما فيها رمضان، غير أنه من وجد في نفسه ضعفًا في أن يملك إربه في
رمضان، وأراد أن ينكح امرأة في شهر رمضان فليؤجل ذلك إلى انتهاء الشهر،
ليسلم له صومه وعبادته واعتكافه، وغير ذلك
الترغيب في النكاح
جاءت الشريعة الغراء لترغِّب في النكاح، كما قال الله سبحانه فَانْكِحُوا
مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ وإن كان القرطبي رحمه الله تعالى قال إن
الآية سيقت لبيان عدد ما يجوز الجمع بينهن من النساء
وفي حديث أنس رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون
عن عبادة النبي ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا وأين نحن من النبي ؟
قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم أما أنا فإني أصلي
الليل أبدًا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء
فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله إليهم فقال «أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟
أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد،
وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» متفق عليه، واللفظ للبخاري
وأنس راوي الحديث ذكر أن رهطًا وهم من ثلاثة إلى عشرة ، وأما في رواية مسلم
فذكر أن نفرًا من أصحاب النبي ، ولا تعارض إن شاء الله لأن النفر من ثلاثة
إلى تسعة، فالمعنى واحد وكل من النفر والرهط لا مفرد له من لفظه
وليس مهمًا معرفة من هم الذين جاءوا إلى النبي وقالوا ذلك، وإن كان ورد
ذكرهم في روايات على خلاف، أكثرها روايات لا يُقطع بصحتها، وإنما المهم
معرفة ما قالوه واعتقدوه، ثم صحح لهم النبي ذلك
ومثل هؤلاء الثلاثة ما ورد في صحيح مسلم رحمه الله من أن سعيد بن هشام رضي
الله عنه قدم المدينة، فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله، ويجاهد
الروم حتى يموت، فلقي ناسًا بالمدينة فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطًا ستة
أرادوا ذلك في حياة النبي فنهاهم، فلما حدثوه أي سعيد بن هشام بذلك راجع
امرأته وكان طلقها يعني طلقها ليفعل ما أراد من بيع داره والجهاد حتى يموت
وهؤلاء الرهط من ذوي الهمم العالية بلا شك، ومن الطامعين بقوة فيما عند
الله، الراجين رحمته، والخائفين عذابه، فكان القياس عندهم بالعقل صحيحًا،
وبما يسمونه المنطق سائغًا، ولأجل ذلك قالوا ما قالوا لكن إذا تعارض القياس
مع النص الشرعي فلا قياس، ولا عقل، ولا رأي، ولا منطق، وإنما الدليل يشفي
الغليل والعليل، ولا اجتهاد مع النص، فكان قياسهم أن النبي مغفور له وهذه
عبادته، ونحن لا ندري ما الله فاعل فينا، ولكي ندرك المغفرة ينبغي أن نزيد
العبادة ولو كانت في بعض جزئياتها أكثر من مثيلتها في عبادة النبي لكن رسول
الله الذي يُعَلِّم الناسَ الكتاب والحكمة أشار إلى معنى عظيم في فعله
ذلك، كما في حديث عائشة والمغيرة رضي الله عنهما عند البخاري رحمه الله كما
قال «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟» وقد بين لهم قبل ذلك أنه لا يجوز لأحد أن
يزيد في الشرع، أو أن يأتي بعمل لم يعمله رسول الله ، أو يُعرض عما عمله
النبي إلى غيره من الأعمال والأقوال، وفاعل ذلك يبرأ منه النبي ، وليس من
النبي في شيء، لأنه راغب ومعرض عن سنة النبي
والذي نوى أن يصلي الليل أبدًا يعني كل ليلة، والذي نوى اعتزال النساء قال
أبدًا أيضًا، لكن الصائم منهم لم يقل أصوم أبدًا، لأنه قطعًا يعلم أنه
سيفطر في الليل وفي أيام الأعياد وفي رواية مسلم وقع أن بعضهم قال لا أكل
اللحم أبدًا، وآخر قال لا أنام على الفراش، وكل هذا مخالف لسنة النبي ، ومن
رغب عن سنته فليس منه
ويزيد النبي الأمر بيانًا ووضوحًا لهم ولسائر المسلمين، فصحح مفهومهم الذي
فهموه وبنوا عليه أمرهم من أن المغفور له كالنبي لا يحتاج إلى مزيد في
العبادة، بخلاف من لا يُعلم عن المغفرة له شيء، أما هم فيحتاجون إلى المزيد
من خشية الله ورجاء المغفرة، فأعلمهم أنه مع كثرة عبادته وعلمه بالمغفرة
لذنوبه المتقدمة والمتأخرة فهو خائف من الله أكثر منهم، ويتقيه أكثر مهم،
فقال «إني لأخشاكم لله وأتقاكم له»
وزاد الأمر بيانًا فأعلمهم أنه مع شدة خشيته وتقواه لله ومع ذلك ، فهو كما
قال «أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء» وهذا هو السنة، ولا يجوز
لأحد العدول عنها، والسنة هنا هي الطريقة طريقة النبي التي لا يجوز الإعراض
عنها إلى طريقة غيرها أو طريق غيره، وطريقة النبي هي الحنيفية السمحة،
فكان يفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج النساء لكسر
الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل
وقوله «فليس مني» يعني إن كان من فعل ذلك أي رغب عن السنة تأويلاً يُعذر
فيه، كحال الصحابة هؤلاء ؛ فالمعنى «ليس مني» أي ليس على طريقتي، وهذا
الفعل غلط فيه صاحبه، ولا يلزم فاعل ذلك أن يخرج من الملة، وإن كان المعرض
عن سنة النبي امتناعًا وإعراضًا وتنطعًا يفضي إلى أرجحية عمله على عمل
الرسول ، فمعنى «ليس مني» هنا أي ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر
تحذير إلى الأسرة المسلمة
فليحذر رب الأسرة من التأويلات الفاسدة والفتاوى الكاسدة حينما تطلب منه
زوجته أو ابنته أن تختمر أو تنتقب ؛ فيقول لها خمارك في قلبك، ونقابك في
إصلاح داخلك، وهو يقصد بذلك يكفيك أن يسلم القلب ويصلح ولو لم تلتزم
الجوارح وتخضع لأمر الله وكذا قول الرجل لابنه إذا أعفى لحيته ليس المهم
المظهر، وإنما المهم القلب، أو حينما تكتمل في بقية أمورك فأطلقها، فمن
الكامل ؟
وربما قال له كم من ملتحٍ وفيه من الشر ما فيه، وكم من حليق وبينه وبين ربه عمار
وهذا الكلام إن صح بعضه على بعض الأوجه ؛ لا يصح كله على كل الأوجه، وفيه تلبيس كتلبيس إبليس، وفيه خلط للحق بالباطل وتضييع لمعنى الإسلام والاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، وفيه رغبة عن سنة الحبيب وطريقته
الأسرة المسلمة في رمضان
هل آن لكل آب وكل أم مع دخول هذا الشهر العظيم أن يدركا القيمة العظيمة
التي وردت بالحديث السابق حديث أنس ؟ وأن يتعلموا القصد في الأمور؛ فلا غلو
ولا إسراف، ولا إقتار ولا إجحاف، فإن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى
الترف والبطر، ولا يأمن فاعلها من الوقوع في الشبهات والمحرمات بسبب حرصه
على تحصيل ذلك، لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانًا فلا يستطيع أن ينتقل
عنه فيقع في المحظور، كما أن منع تناول الطيبات والمباحات يفضي إلى التنطع
المنهي عنه، ويرد عليه صريح قوله تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ
الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ الأعراف ،
كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة
الاقتصار على الفرائض مثلاً وترك التنفل يفضي إلى الكسل والعجز وإيثار
البطالة، وعدم النشاط في العبادة، بل والملل منها واستثقالها، وخير الأمور
الوسط
وفي قول النبي «إني لأخشاكم لله» مع ما انضم إليه مما بعده إشارة إلى ذلك
وفيه أيضًا إشارة إلى أن العلم بالله تعالى ومعرفة ما يحب من خلقه سبحانه ؛
أعظم قدرًا من مجرد العبادة البدنية
فعلى الأسرة المسلمة في رمضان أن تعرف ما الذي يريده الله تعالى بالصيام
وما حكمته ؟ ولماذا شُرع، وما هي أعمال الصائمين في رمضان، وما الذي ينبغي
أن يفعلوه قبله وبعده، وأيضًا لماذا اختص الله جل وعلا الصوم بقوله «إلا
الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» هذا مع أداء الصوم على السنة النبوية وكذا
الإفطار بدون إسراف وإسفاف، قال تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأعراف ذلك خير ممن صام لا
يفطر وقام لا يفتر، ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش
الفتاة المسلمة في رمضان
أيتها الفتاة المسلمة؛ كيف سيكون الحال هذه السنة في رمضان ؟ في العبادة
ومع القرآن، والصلاة والقيام، والتوبة والإنابة إلى الله عز وجل، ومع الذكر
والاستغفار وتعلم العلم الشرعي، وسماع الموعظة والنصيحة، وكيف سيكون الزي
والملبس ؟ أشرعي أم بدعي غربي ؟ وكيف ستكون العطور؟ هل هي في البيت فقط، أم
خارجه أيضًا لمن يجد ريحها
إن المرأة المسلمة مرت بثلاث مراحل عبر العصور، في ذكر هذه المراحل اعتبار
لمن كانت لها قلب تعقل به وتفقه، أو عين تبصر بها، أو أذن تسمع بها ؛ لأن
أناسًا قال الله تعالى عنهم لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ
أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا
أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
الأعراف
المرحلة الأولى «المرأة قبل الإسلام»
عند الفرس كانت المرأة عند الفرس مخلوقًا نجسًا، تُبعد عن المنازل إذا
حاضت، وتقيم في خيام بعيدًا، وعلى الخدم الذين يقدمون الطعام لها أن يلفوا
أنوفهم وأيديهم بالقماش حتى لا يتنجسوا منها ومن خيمتها، والرجل يمتلكها
ويحق له أن يحكم عليها بالحياة أو الموت
وعند اليهود المرأة ليست طاهرة ولا نقية، وكل من معها في بيتها كذلك، ولا
يجوز الدخول عليهم، وعلى تلك المرأة إذا توفي زوجها أن تحرق نفسها بعده،
فلا هي سعدت في حياتها معه، ولا بعد فراقه لها
وعند الصينيين ولادة المرأة شر، ومقامها مقام الخدم، والبنت تباع وتشترى، والمرأة رقيقة خادمة عند أهل زوجها
في أوربا يصفون المرأة بأنها نكبة أنحس من الأفعى، وهي منبع الشر، وأصل
الخطيئة، وحجر القبر، وباب جهنم، ومآل التعاسة، خُلقت أكره مرارة من الموت،
وهي كالشبكة؛ قلبها فخ ويداها قيود
عند العرب قبل الإسلام كانت إذا ولدت لرجل
بنت ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، ويختبئ من الناس من سوء البشرى، فإما أن
يربيها بمذلة لها وهوان، وإما أن يقتلها موءودة، وكانت كالمتاع تورث ولا
ترث
المرحلة الثانية نور الإسلام ورحمته
كان مع ما رأيناه من سواد الجاهلية وليلها البهيم في معاملة المرأة بزوغ
فجر الإسلام، وطلوع شمسه المشرقة لا الحارقة، فيه خرجت المرأة بفضل الله من
القهر والاستعباد إلى الحرية ورفع القدر، وعلو المنزلة، واستردت المرأة كل
حقوقها المشروعة، فهي كالرجل؛ الاثنان سواء في مطلق الإنسانية، وكان
التفاضل بينها وبين الرجل على التقوى، قال تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات
والجميع يتساوى في الجزاء الأخروي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ آل عمران ، وكفل لها حق
الحياة وحرم قتلها بغير حق وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ
قُتِلَتْ ، وضمن لها حق الإرث لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا
مَفْرُوضًا النساء
ومنحها حق التملك وحرية الرأي والتصرف، وتكاثرت النصوص عن النبي في العناية
بالمرأة والإحسان إليها، قال «استوصوا بالنساء خيرًا» متفق عليه وقال
«خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» رواه ابن ماجه، وقال «رويدك سوقًا
بالقوارير» متفق عليه
وانطلقت قوافل المؤمنين تنشر هذا الفتح العظيم، وتحرر الناس في كل أقطار
الأرض من ذل العبودية والقهر، هذا التحرر الذي كان سببه اللجوء إلى شرع
الله الموافق للعقول والفطر السليمة، وعليه دخل الناس في الدين أفواجًا،
فعاشوا منعمين بالحقوق الشرعية في كنف هذا الدين الحنيف
واستمر الإسلام يغذي هذه الحياة قرونًا حتى
قالت إحدى القسيسات «بكل بساطة ووضوح ؛ إن المرأة عند المسلمين منذ قرنًا
تُعطى ما ترون، حقًا إنه عدل مبكر جدًا»
المرحلة الثالثة الواقع المعاصر
مع مرور الزمن وتخلي المسلمين في العموم عن دينهم، وانهماكهم في الدنيا،
والمشكلات بشتى أنواعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ضعف النور الذي
كان يسطع منهم، لا لضعف المصباح؛ بل لتخلي حملة هذا النور عن حمله، فبدأ
الغرب يستيقظ على أنقاض أهل الإسلام، وليتهم أخذوا بمبادئ الإسلام
التي نعموا في عدلها قرونًا، لكن الحقد والحسد والكراهية جعلتهم يثورون
على المبادئ والقيم، ومنها نظرتهم إلى المرأة، فظهرت حركة تحرير المرأة
التي قامت على أساسين؛ الحرية والمساواة، بمعنى التماثلية بينها وبين الرجل
في كل شيء، وتشجع على الاختلاط بين الجنسين والمساواة بينهما في الزواج
والطلاق، ثم نُشر هذا الفكر عالميًا بالقوة وبغيرها، فلم ينتج عن هذا
التحرر إلا انتشار الجريمة كالاغتصاب مثلاً في فرنسا وأمريكا وكندا
واستراليا وألمانيا وروسيا وإسرائيل وجنوب إفريقيا، وكثرت نسبة الطلاق وقتل
الأزواج والزوجات بسبب الأصدقاء والعشيقات، وخرجت المرأة من حماية زوجها
وأبيها بزعم الاستقلال والحرية، فوقعت في شباك العري والعار، وعدم الأمن
والاستقرار، وانبهرت المرأة المسلمة بالمرأة الغربية، ولاحقتها في زيها
وموضتها، وشكلها ومظهرها، منفذة ما حذر منه النبي «لتتعبن سنن من كان قبلكم
حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا يا رسول الله،
اليهود والنصارى؟ قال «فمن» متفق عليه أي فمن غيرهم ؟
وتبنَّى هذه الدعوات الغربية نساء ورجال من أمتنا يتكلمون بألسنتنا،
ويعيشون بيننا، يسمون بالمفكرين الإسلاميين والدكاترة، فصارت مجتمعات
المسلمين بين مطرقة الغرب الخارجي وسندان العلمانيين بالداخل، ولا حول ولا
قوة إلا بالله
أخيرًا
أيتها المسلمة؛ وقد دخل عليك شهر رمضان؛ شهر التوبة والغفران، على أي مرحلة
من المراحل السابقة الثلاث سيقع طيرك؟ وهل طيرك غراب لا يقع إلا على
الديدان والحشرات والقذر والجيف ؟ أم أن طيرك نحل لا يقع إلا على الأزهار
والرياحين، والرحيق والفل والياسمين؟
هل الذي كرَّمك بالإسلام الله القدوس السلام ؛ لو طلب منك صيانتك بالحجاب،
وفصَّل لك الثياب ؛ هل رد الجميل يكون بالتمرد الرذيل، ومخالفة الوحي
والتنزيل؟
وهل ستستمر أيها الأب العاق وتقول لابنتك لو لبست النقاب سأطردك من البيت أو أطلق أمك ؟ إلى أين ستطردها ؟ إلى غريب يتجهمها، أم إلى ذئب ينتهك عرضها؟
وأنتِ أيتها الأم البائسة المحرومة، هل ستمنعين ابنتك من الذهاب إلى المسجد
لصلاة التراويح وحياة القلوب، قال «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» مَن
منكم بذلك أخشى لله وأتقى له؟
والحمد لله رب العالمين
من مجلة التوحيد
__________________