5- آداب الصيام وسننه
ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب، فمن ذلك:
الحرص على السحور
وتأخيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة "
رواه البخاري فتح 4/139، فهو الغداء المبارك، وفيه مخالفة لأهل الكتاب، و "
نِعمَ سحور المؤمن التمر " رواه أبو داود رقم 2345 وهو في صحيح الترغيب
1/448
تعجيل الفطر لقوله صلى
الله عليه وسلم: " لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر رواه البخاري فتح
4/198، وأن يفطر على ما ورد في حديث أنس رضي الله عنه قال: " كان النبي صلى
الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات،
فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء ." رواه الترمذي 3/79 وغيره وقال حديث
حسن غريب وصححه في الإرواء برقم 922، ويقول بعد إفطاره ما جاء في حديث ابن
عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: ذهب
الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله " رواه أبو داود 2/765 وحسن
الدارقطني إسناده 2/185 البعد عن الرفث لقوله صلى الله عليه وسلم " .. إذا
كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث .. " رواه البخاري الفتح رقم 1904 والرفث هو
الوقوع في المعاصي، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور
والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . " البخاري الفتح رقم
1903، وينبغي أن يجتنب الصائم جميع المحرمات كالغيبة والفحش والكذب، فربما
ذهبت بأجر صيامه كله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رُبّ صائم ليس
له من صيامه إلا الجوع . " رواه ابن ماجه 1/539 وهو في صحيح الترغيب 1/453
ومما أذهب الحسنات
وجلب السيئات الانشغال بالفوازير والمسلسلات، والأفلام والمباريات،
والجلسات الفارغات، والتسكع في الطرقات، مع الأشرار ومضيعي الأوقات، وكثرة
اللهو بالسيارات، وازدحام الأرصفة والطرقات، حتى صار شهر التهجد والذكر
والعبادة ـ عند كثير من الناس ـ شهر نوم بالنهار لئلا يحصل الإحساس بالجوع،
ويضيع من جرّاء ذلك ما يضيع من الصلوات، ويفوت ما يفوت من الجماعات، ثم
لهو بالليل وانغماس في الشهوات، وبعضهم يستقبل الشهر بالضجر لما سيفوته من
الملذات، وبعضهم يسافر في رمضان إلى بلاد الكفار للتمتع بالإجازات !! وحتى
المساجد لم تخل من المنكرات من خروج النساء متبرجات متعطرات، وحتى بيت الله
الحرام لم يسلم من كثير من هذه الآفات، وبعضهم يجعل الشهر موسما للتسول
وهو غير محتاج، وبعضهم يلهو فيه بما يضرّ كالألعاب النارية والمفرقعات،
وبعضهم ينشغل بالصفق في الأسواق والتطواف على المحلات، وبعضهن بالخياطة
وتتبع الموضات، وتنزل البضائع الجديدة والأزياء الحديثة في العشر الأواخر
الفاضلات لتشغل الناس عن تحصيل الأجور والحسنات .
* أن لا يصخب، لقوله
صلى الله عليه وسلم: " وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم، إني صائم "
رواه البخاري وغيره الفتح رقم 1894، فواحدة تذكيرا لنفسه، والأخرى تذكيرا
لخصمه . والناظر في أخلاق عدد من الصائمين يجد خلاف هذا الخُلق الكريم فيجب
ضبط النفس، وكذلك استعمال السكينة وهذا ما ترى عكسه في سرعات السائقين
الجنونية عند أذان المغرب .
* عدم الإكثار من
الطعام، لحديث " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنٍ .. " رواه الترمذي رقم
2380 وقال هذا حديث حسن صحيح، والعاقل إنما يريد أن يأكل ليحيا لا أن يحيا
ليأكل، وإن خير المطاعم ما استخدمت وشرها ما خُدمت . وقد انغمس الناس في
صنع أنواع الطعام، وتفننوا في الأطباق حتى ذهب ذلك بوقت ربات البيوت
والخادمات، وأشغلهن عن العبادة، وصار ما ينفق من الأموال في ثمن الأطعمة
أضعاف ما يُنفق في العادة، وأصبح الشهر شهر التخمة والسمنة وأمراض المعدة .
يأكلون أكل المنهومين، ويشربون شرب الهيم، فإذا قاموا إلى صلاة التراويح
قاموا كسالى، وبعضهم يخرج بعد أول ركعتين .
* الجود بالعلم والمال
والجاه والبدن والخُلُق، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس { بالخير }، وكان أجود ما
يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه
القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة " .
رواه البخاري الفتح رقم 6 فكيف بأناس استبدلوا الجود بالبخل والنشاط في
الطاعات بالكسل والخمول فلا يتقنون الأعمال ولا يحسنون المعاملة متذرعين
بالصيام .
والجمع بين الصيام
والإطعام من أسباب دخول الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة
غرفا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم
الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام " رواه أحمد
5/343 وابن خزيمة رقم 2137 وقال الألباني في تعليقه: إسناده حسن لغيره،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من فطّر صائما كان له مثل أجره، غير أنه
لا ينقص من أجر الصائم شيء . " رواه الترمذي 3/171 وهو في صحيح الترغيب
1/451 قال شيخ الإسلام رحمه الله: والمراد بتفطيره أن يُشبعه . الاختيارات
الفقهية ص: 109
وقد آثر عدد من السلف ـ
رحمهم الله ـ الفقراءَ على أنفسهم بطعام إفطارهم، منهم: عبد الله بن عمر،
ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل وغيرهم . وكان عبد الله بن عمر لا يفطر إلا
مع اليتامى والمساكين .
ومما ينبغي فعله في الشهر العظيم
* تهيئة الأجواء
والنفوس للعبادة، والإسراع إلى التوبة والإنابة، والفرح بدخول الشهر،
وإتقان الصيام، والخشوع في التراويح، وعدم الفتور في العشر الأواسط، وتحري
ليلة القدر، ومواصلة ختمة بعد ختمة مع التباكي والتدبر، وعمرة في رمضان
تعدل حجة، والصدقة في الزمان الفاضل مضاعفة، والاعتكاف في رمضان مؤكد .
* لا بأس بالتهنئة
بدخول الشهر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم شهر
رمضان ويحثّهم على الاعتناء به فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجلّ عليكم
صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلّق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة
الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم " رواه
النسائي 4/129 وهو في صحيح الترغيب 1/490
من أحكام الصيام
6- من الصيام ما يجب
التتابع فيه كصوم رمضان والصوم في كفارة القتل الخطأ وصوم كفارة الظهار
وصوم كفارة الجماع في نهار رمضان وكذلك من نذر صوما متتابعا لزمه .
ومن الصيام ما لايلزم
فيه التتابع كقضاء رمضان وصيام عشرة أيام لمن لم يجد الهدي والصوم في كفارة
اليمين) عند الجمهور (وصوم الفدية في محظورات الإحرام) على الراجح) وكذلك
صوم النذر المطلق لمن لم ينو التتابع .
7- صيام التطوع يجبر
نقص صيام الفريضة، ومن أمثلته عاشوراء وعرفة وأيام البيض والاثنين والخميس
وست من شوال والإكثار من الصيام في محرم وشعبان .
8- جاء النهي عن إفراد
الجمعة بالصوم البخاري فتح الباري برقم 1985 وعن صيام السبت في غير
الفريضة رواه الترمذي 3/111 وحسنه والمقصود إفراده دون سبب، وعن صوم الدهر،
وعن الوصال في الصوم، وهو أن يواصل يومين أو أكثر دون إفطار بينهما .
ويحرم صيام يومي العيد
وأيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة لأنها
أيام أكل وشرب وذكر لله، ويجوز لمن لم يجد الهدي أن يصومها بمنى .
ثبوت دخول الشهر
9- يثبت دخول شهر رمضان برؤية هلاله أو بإتمام شعبان ثلاثين يوما، ويجب على من رأى الهلال أو بلغه الخبر من ثقة أن يصوم .
وأما العمل بالحسابات
في دخول الشهر فبدعة، لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم نصّ في المسألة: "
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته "، فإذا أخبر المسلم البالغ العاقل الموثوق
بخبره لأمانته وبصره أنه رأى الهلال بعينه عُمل بخبره .
على من يجب الصوم
10- ويجب الصيام على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر سالم من الموانع كالحيض والنفاس .
و يحصل البلوغ بواحد
من أمور ثلاثة: ـ إنزال المني باحتلام أو غيره، ـ نبات شعر العانة الخشن
حول القُبُل، ـ إتمام خمس عشرة سنة . وتزيد الأنثى أمرا رابعا وهو الحيض
فيجب عليها الصيام ولو حاضت قبل سنّ العاشرة .
11- يؤمر الصبي
بالصيام لسبع إن أطاقه "وذكر بعض أهل العلم أنه " يُضرب على تركه لعشر
كالصلاة انظر المغني 3/90 . وأجر الصيام للصبي، ولوالديه أجر التربية
والدلالة على الخير، عن الرُبيِّع بنت معوِّذ رضي الله عنها قالت في صيام
عاشوراء لما فُرض: كنا نصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى
أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار . البخاري فتح رقم 1960
وبعض الناس يتساهل في أمر أبنائه وبناته بالصيام، بل ربما صام الولد
متحمّسا وهو يُطيق فأمره أبوه أو أمه بالإفطار شفقة عليه بزعمهما، وما
علموا أنّ الشفقة الحقيقية بتعاهده بالصيام، قال الله تعالى (يا أيها الذين
آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ
شِداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون) . وينبغي الاعتناء بصيام
البنت في أول بلوغها، فربما تصوم إذا جاءها الدم خجلا ثم لا تقضي .
12- إذا أسلم الكافر
أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أثناء النهار لزمهم الإمساك بقية اليوم لأنهم
صاروا من أهل الوجوب، ولا يلزمهم قضاء ما فات من الشهر، لأنهم لم يكونوا
من أهل الوجوب في ذلك الوقت .
13- المجنون مرفوع عنه
القلم، فإن كان يجنّ أحيانا ويُفيق أحيانا لزمه الصيام في حال إفاقته دون
حال جنونه . وإن جنّ في أثناء النهار لم يبطل صومه كما لو أغمي عليه بمرض
أو غيره لأنه نوى الصيام وهو عاقل . مجالس شهر رمضان ابن عثيمين ص: 28
ومثله في الحكم المصروع .
14- من مات أثناء الشهر فليس عليه ولا على أوليائه شيء فيما تبقى من الشهر .
15- من جهل فرض الصوم
في رمضان أو جهل تحريم الطعام أو الوطء فجمهور العلماء على عذره إن كان
يُعذر مثله، كحديث العهد بالإسلام والمسلم في دار الحرب ومن نشأ بين الكفار
. أما من كان بين المسلمين ويمكنه السؤال والتعلم فليس بمعذور .