قيام ليلة القدر
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : « من قام ليلة القدر
إيمانا و احتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه » ( أخرجه البخاري في صحيحه ) .
ليلة واحدة ، تجتهد فيها بالعبادة ،
بالطاعة ، هذه الليلة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من
رمضان من أجلها ، والظفر بها _ وهو
من قد غفر الله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر – فحري بنا - ونحن الذين لم نعلم بعد ما
مصيرنا ، ما حالنا يوم القيامة – أن نجتهد في قيام تلك الليلة ، التي قيامها
يُعادل قيام أكثر من ثلاث و ثمانين عاما، قال تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر } .
أخي الحبيب :
والله إن السجلات ملأى بالذنوب و
السيئات ، أفلا نغسلها بقيام ليلة واحدة .
وحتى تدرك هذه الليلة ، فعليك بقيام
العشر الأواخر كلها، إن كنت صادقا في طلب المغفرة .
أخي الحبيب :
إن أنهارا من المغفرة أمامك يوشك أن
تجري من أجلك ، فهلا انغمست فيها ، لعلها تطهرك ، لعلها تغسل عنك صحائف ؛ طالما
سودتها ، لعلها تكفر ذنوبا ؛ طالما حالت بينك وبين ربك و مولاك.
أخي الحبيب :
أسباب المغفرة كلها منعقدة لكي يُغفر
لك .
والله – يا أخي - ما فتح الله أبواب
الجنان إلا من أجل أن يُدخلك فيها .
والله ؛ ما غلّق الله أبواب النيران إلا
ليُبعدك عنها .
ما صفّد الله مردة الشياطين إلا
لتُقبل عليه ، وعلى طاعته ، التي هي سبب رضاه ، التي هي سبب سعادتك وفلاحك .
أخي الحبيب :
هل تجد أرحم من ربك و مولاك - وهو غني
عنك و عن طاعتك - لا و الله لن تجد أبدا .
انظر كيف يعاملك ، وكيف تعامله .
تعصيه فيستر عليك ، وتتمادى في
المعصية فيحلم عليك ، وتسرف على نفسك في الذنوب و المعاصي فيدعوك للمغفرة والتوبة.
يقول تعالى { قل يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، إنه هو
الغفور الرحيم } .
أخي الحبيب :
تأمل هذه الآية ،كم تحبب الله فيها
إلى عباده - لا أقول المحسنين ، ولكن المسرفين على أنفسهم - لم يقل الله { الذين أجرموا } ، و لم يقل { الذين عصوا } ، و لكن قال { الذين أسرفوا على أنفسهم
} ، وقبلها نسبك إليه فقال { يا عبادي } ليعلمك أنك مهما فعلت من الذنوب
و مهما أكثرت من المعاصي فإنك لا تزال
عبد من عباده .
ثم أخبرك أن لا تقنط من رحمته ، و
أعلم بأن الله يغفر كل الذنوب كلها – مهما عظمت – إذا تبت منها .
وهل شهر رمضان وما فيه من أسباب
المغفرة إلا من أجلك ، ومن أجل محو ذنوبك .
إن غفران الذنوب أمنية الصالحين ، فهذا
عبد الله بن مسعود يقول : ( وددت لو أن الله غفر لي ذنبا واحدا وأن لا يُعرف لي
نسب ، وددت أني عبد الله بن روثة ، و أن الله غفر لي ذنبا واحدا ).
و لكن سبحان الله ! فهناك من المسلمين
من لا يريد المغفرة والرحمة ، جعلوا رمضان موسما للعب واللهو ، قضوا أيامه في
الحرام ، وسهروا لياليه في المعاصي ، زادت ذنوبهم ذنوبا ، وزادت صحائفهم سوادا.
ألا فليتذكر أولئك حديث جابر بن سمرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل ، فقال :
يا محمد ، من أدرك أحد أبويه فمات فدخل النار فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت :
آمين
.
يا محمد ، من أدرك شهر
رمضان ، فمات و لم يُغفر له فأدخل الله النار ، فأبعده الله ، فقل : آمين ، فقلت :
آمين . و من ذُكرت عنده فلم يصلي عليك ، فمات فدخل النار فأبعده الله ، فقل : آمين
، فقلت آمين » (رواه
الطبراني ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله)
لا إله إلا الله ! يا أخي ؛ انظر من
الداعي و من المؤمن ، الداعي جبريل خير الملائكة ، والمؤمن محمد صلى الله عليه
وسلم خير البشر ، فالدعاء مستجاب لا محالة .
أخي الحبيب:
هل سألت نفسك لمن هذه الفضائل كلها ؟
أهي للملائكة ؟
أم هي للبهائم و الحيوانات ؟
كلا و الله ، يا أخي الحبيب.
إنها و الله ، لك ، و من أجلك .
نعم ، الله فتح أبواب الجنة لك ، وغلق
أبواب النار من أجلك ، وصفد مردة الشياطين لتقبل عليه .
كم من ملك مقرب ليس له « و لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ».
يا أخي:
أيام رمضان أيام مغفرة ، ورحمة ، أيام
رمضان أيام محو للسيئات .
يا أخي :
أما آن أن تُغفر الذنوب .
أما آن أن تُمحى الخطايا .
يا طالب المغفرة : هاهي أسبابها أمامك
، هاهي بين يديك .
أخي الحبيب:
إن الله يحب أن يغفر لعباده { والله يريد أن يتوب عليكم } ، ولكن الله لا يُعطي
المغفرة إلا لمن يستحقها .
يا أخي :
إن لم يُغفر لنا في رمضان – وقد
انعقدت أسبابها – فمتى يغفر لنا ؟
إن لم يتب الله علينا في رمضان ، فمتى
يتاب علينا ؟
أخي الحبيب :
لا تحقر من الذنوب شيئا ، فلقد أدخل
الله امرأة النار بسبب حبس هرة .
فإياك ، إياك أن تتهاون في ذنب أو
معصية ، لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
أخي الحبيب :
هلم إلي شهر المغفرة ، إلي شهر الرحمة
، اجتهد بالعبادة ، أكثر من الطاعة ، ابتعد عن المعاصي ، فلا سبيل إلي المغفرة إلا
بهذا الطريق .
أسأل الله أن يبلغنا و إياك رمضان ،
وأن يوفقنا فيه للصالحات ، وأن يغفر لنا أجمعين .