صيام شهر شعبان:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى
نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في
شعبان([34]).
وعنها قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان،
وكان يصوم شعبان كله، وكان يقول: ((خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا
يمل حتى تملّوا))، وأحبُّ الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم
عليه، وإن قلّت، وكان إذا صلى صلاةً داوم عليها([35]).
وعن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام. ويفطر حتى نقول: قد أفطر. ولم
أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان
يصوم شعبان إلا قليلاً([36]).
قال الحافظ ابن حجر: "وهذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي
داود وغيره: أنه كان لا يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان،
أي كان يصوم معظمه، ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه جائز في كلام العرب
إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كله، ويُقال: قام فلان ليلته أجمع،
ولعله قد تعشّى واشتغل ببعض أمره، قال الترمذي: كأن ابن المبارك جمع
الحديثين بذلك، وحاصله أن الرواية الأولى مفسّرة للثانية مخصصة لها، وأن
المراد بالكل الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال.
واستبعده الطيبي قال: لأن الكل تأكيد لإرادة الشمول ودفع التجوز، فتفسيره
بالبعض مُنافٍ لما قال ! فيحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة، ويصوم
معظمه تارةً أخرى ؛ لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان.
والأول هو الصواب، ويؤيده رواية عبد الله بن شفيق عن عائشة عند مسلم، وسعد
بن هشام عنها عند النسائي، ولفظه: ولا صام شهراً كاملاً قط منذ قدم المدينة
غير رمضان وهو مثل حديث ابن عباس المذكور"([37]).
وعن عطاء قال: كنت عند ابن عباس قبل رمضان بيوم أو يومين فقرّب غداءه فقال:
(أفطروا أيها الصيام! لا تواصلوا رمضان بشيء وافصلوا)([38]).
قال ابن عبد البر: "استحب ابن عباس وجماعة من السلف رحمهم الله أن يفصلوا
بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو أيام، كما كانوا يستحبون أن يفصلوا بين صلاة
الفريضة بكلام أو قيام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان"([39]).