الحكمة من التدرج في تشريع الصيام:
لم يفرض الصوم جملة واحدة ، وإنما شرع على التدرج ، قال ابن القيم في بيان
الحكمة من ذلك : " لما كان ـ أي الصوم ـ غيرَ مألوف لهم ولا معتاد ،
والطباع تأباه ، إذ هو هجر مألوفها ومحبوبها ، ولم تذق بعدُ حلاوته
وعواقبه المحمودة ، وما في طيه من المصالح والمنافع، فخيرت بينه وبين
الإطعام ، وندبت إليه ، فلما عرفت علته – يعني حكمته – وألفته ، وعرفت ما
ضمنه من المصالح والفوائد : حتم عليها عيناً ، ولم يقبل منها سواه ، فكان
التخيير في وقته مصلحة، وتعيين الصوم في وقته مصلحة ، فاقتضت الحكمة
البالغة شرع كل حكم في وقته ؛ لأن المصلحة فيه في ذلك الوقت " ([1]) .
وقال ابن حجر الهيثمي: " وحكمته – أي التدرج – الرفق بالأمة ؛ لأنهم لما لم
يألفوا الصوم كان يقينه عليهم ابتداء فيه مشقة ، فخيروا بينه وبين الفدية
أولاً ، ثم لما قوي يقينهم ، واطمأنت نفوسهم : حتم عليهم الصوم وحده ،
ونظير ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أول ما بعث لم يكلف الناس إلا بالتوحيد
فقط ، ثم استمر على ذلك مدة مديدة ، ثم فرض عليهم من الصلاة ما ذكر في سورة
المزمل ، ثم نسخ ذلك كله بالصلوات
الخمس،وكان كلما ازداد ظهوراً وتمكناً:ازدادت الفرائض وتتابعت،كل ذلك لما قررته من الرفق والتدرج في المراتب حتى تؤخذ بحقها"([2]) .