شروط وجوب الصوم
1 ـ الإسلام:
قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَـ?تُهُمْ إِلا
أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِ?للَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ?لصَّلَو?ةَ
إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى? وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَـ?رِهُونَ}
[التوبة:54].
قال ابن جرير الطبري: "يقول تعالى ذكره: وما منع هؤلاء المنافقين، يا محمد،
أن تقبل منهم نفقاتهم التي ينفقونها في سفرهم معك، وفي غير ذلك من السبل،
إلا أنهم كفروا بالله ورسوله"([1]).
وقال القرطبي: "وما منعهم من أن تقبل منهم نفقاتهم إلا كفرهم"([2]).
وقال ابن كثير: "لأنهم كفروا بالله وبرسوله، أي والأعمال إنما تصح بالإيمان"([3]).
وقال السعدي: "والأعمال كلها، شرط قبولها، الإيمان، فهؤلاء، لا إيمان لهم، ولا عمل صالح"([4]).
وهذا الشرط باتفاق الأئمة رحمهم الله([5]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) جامع البيان (14/294).
([2]) الجامع لأحكام القرآن (4/92).
([3]) تفسير ابن كثير (2/565).
([4]) تفسير الكريم الرحمن (3/248).
([5]) انظر: المبسوط (3/54)، الذخيرة (2/494)، المجموع (6/254)، الإنصاف (3/280).
2- البلـوغ:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم
عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ)) وفي رواية: ((وعن
المجنون))، وفي لفظ: ((المعتوه، حتى يفيق أو يعقل، وعن الصبي حتى يكبر))،
وفي رواية: ((حتى يحتلم))، وفي لفظ: ((حتى يعقل))، وآخر: ((حتى
يبلغ))([1]).
قال النووي: "فلا يجب صوم رمضان على الصبي، ولا يجب عليه قضاء ما فات قبل البلوغ بلا خلاف"([2]).
قال السبكي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة)): "هو كناية عن عدم التكليف"([3]).
وقال السندي: "قوله: ((رفع القلم)) كناية عن عدم كتابة الآثام عليهم في هذه الأحوال"([4]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) صحيح أخرجه أبو داود في كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب
حداً رقم (4398) واللفظ له، وابن ماجه في كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه
والصغير والنائم رقم (2041)، والنسائي في كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه
من الأزواج رقم (3432). والدارمي في كتاب الحدود، باب رفع القلم عن ثلاث
رقم (2296)، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان رقم (42)و(43)، والحاكم في
المستدرك في كتاب البيوع (2/68) رقم (2350). وقال: "هذا حديث صحيح". ووافقه
الذهبي، والحديث صححه النووي في المجموع (6/253) والألباني في الإرواء رقم
(297).
([2]) المجموع (6/253)، وانظر: الذخيرة (2/494)، كشَّاف القناع (2/308).
([3]) انظر: عون المعبود (12/72).
3. العقـل:
قال ابن قدامة([1]): "والمجنون غير مكلّف، ولا يلزمه قضاء ما ترك في حال
جنونه، إلا أن يُفيق في وقت الصلاة، فيصير كالصبي يبلغ، ولا نعلم في ذلك
خلافاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن
النائم حتى يستقيظ، وعن الصبي حتى يَشِبَّ، وعن المعتوه حتى يعقل))([2]).
وقال الشيرازي: "ومن زال عقله بجنون لم يجب عليه الصوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وعن المجنون حتى يفيق))([3]).
وقال النووي: "المجنون لا يلزمه الصوم في الحال بالإجماع، للحديث وللإجماع"([4]).
وقال السامري: "ولا يجب على المجنون، ولا على الأبله، اللَّذيْنِ لا يفيقان"([5]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) المغتي (2/50).
([2]) تقدم تخريجه والكلام عليه في شرط الإسلام.
([3]) المهذب (2/587).
([4]) المجموع (6/255)، وانظر: مجمع الأنهر (1/253).
([5]) المستوعِب (3/382)، وانظر: بلغة السالك (1/239).
4. القدرة على الصوم:
قال تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184].
قال ابن جرير الطبري: "يعني بقوله جل ثناؤه: {فَمَن كَانَ مِنكُم
مَّرِيضًا} من كان منكم مريضاً، ممن كلِّف صومه، أو كان صحيحاً غير مريض
وكان على سفر {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يقول: فعليه صوم عدة
الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره، {مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يعني من
أيام غير أيام مرضه أو سفره"([1]).
قال ابن العربي: "للمريض ثلاثة أحوال:
أحدها: ألا يُطيق الصوم بحالٍ، فعليه الفطر واجباً.
الثاني: أنّه يقدر على الصوم بضررٍ ومشقةٍ؛ فهذا يستحب له الفطر، ولا يصوم إلا جاهل.
الثالث: قال محمد بن إسماعيل البخاري: "اعتللت بنيسابور عِلةً خفيفة ً،
وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفرٍ من أصحابه، فقال لي:
أفطرت يا أبا عبد الله ! فقلت: نعم، فقال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة،
قلت: أنبأنا عَبْدان، عن ابن المبارك، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أيِّ
المرض أُفطر؟ قال: من أي مرض كان، كما قال الله تعالى: {فَمَن كَانَ
مِنكُم مَّرِيضًا}"([2]).
وقال الكيا الهراسي: "يقتضي جواز الإفطار على اسم المرض والسفر، إلا أن
المريض الذي لا يضره الصوم مخصوصٌ إجماعاً، ولا يعرف له مأخذ أقوى من
الإجماع، وأطلق السفر، ولم يذكر له حداً، والمسافة القريبة لا تسمى سفراً
في العرف"([3]).
وقال ابن قدامة: "أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة، و
الأصل فيه قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]. والمرض المبيح للفطر هو
الشديد الذي يزيد بالصوم أو تُخشى تباطؤ برئه، قيل لأحمد: متى يفطر المريض؟
قال: إذا لم يستطع، قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي مرضٍ أشد من الحمى"([4]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالمريض له أن يؤخر الصوم باتفاق المسلمين،
وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين، والمسافر له أن يؤخر الصيام
باتفاق المسلمين، وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين"([5]).
وقال ابن كثير: "أي المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر لما في
ذلك من المشقة عليهما، بل يفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أُخر"([6]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) جامع البيان (3/418).
([2]) أحكام القرآن لابن العربي (1/77).
([3]) أحكام القرآن للكيا الهراسي (1/62).
([4]) المغتي (4/403)، وانظر: بدائع الصنائع (2/94)، البناية في شرح الهداية (4/76)،الذخيرة (2/516) التذكرة لابن الملقن (ص78).
([5]) مجموع الفتاوى (22/31).
([6]) تفسير ابن كثير (1/203).
5. أن يكون مقيماً:
قال تعالى: {فَمَـن كَـانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفـَرٍ فَعدَّةٌ مِّنْ أَيَّـامٍ أُخَـرَ}([1]) [البقرة:184].
وقد اختلف العلماء في صوم رمضان في السفر:
فذهب جماهير العلماء إلى جواز الصوم في السفر وينعقد ويجزئه.
1- قال الكاساني: "ولأن جواز الصوم للمسافر في رمضان مجمع عليه"([2]).
2- وقال ابن القاسم: "قال مالك: الصيام في رمضان في السفر أحب إليَّ لمن قوى عليه"([3]).
3- وقال النووي: "ومذهبنا جوازهما (أي جواز الصوم والفطر في السفر)،
وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والجمهور من الصحابة والتابعين ومن
بعدهم"([4]).
4- وقال ابن قدامة: "وجواز الفطر للمسافر ثابت بالنص والإجماع؛ وأكثر أهل العلم على أنه إن صام أجزاه"([5]).
وخالف أهل الظاهر فقالوا: لا يصح صوم رمضان في السفر، فإن صامه لم ينعقد، ويجب قضاؤه.
قال أبو محمد بن حزم: "ومن سافر في رمضان فَفَرْضٌ عليه الفطر إذا تجاوز
ميلاً أو بلغه أو إزاءه، وقد بطل صومه حينئذ لا قبل ذلك، ويقضي بعد ذلك في
أيامٍ أُخر"([6]).
والراجح: ما عليه جماهير العلماء، أنه يجوز الصوم في السفر، لمن قدر عليه، والفطر لمن لحقه ضررٌ ومشقة.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في رمضان، فمنَّا الصائم ومنَّا المفطر، فلا يجد الصائم على
المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوةً فصام، فإنَّ ذلك حسنٌ.
ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر، فإن ذلك حسنٌ)([7]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا تَعِبْ على من صام، ولا على من أفطر،
قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، وأفطر)([8]).
قال النووي: "فيه دلالة لمذهب الجمهور في جواز الصوم والفطر جميعاً"([9]).
وقول جماهير العلماء، فيه إعمال لجميع الأحاديث، وهذا أولى من الأخذ ببعضها وترك الآخر.
قال النووي: "وأمّا الأحاديث التي احتج بها المخالفون فمحمولة على من يتضرر
بالصوم، وفي بعضها التصريح بذلك، ولا بد من هذا التأويل للجمع بين
الأحاديث"([10]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن هذا الباب الصوم والفطر للمسافر في رمضان، فإنّ الأئمة الأربعة اتفقوا على جواز الأمرين"([11]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) تقدم أقوال العلماء في مسألة القدرة على الصوم.
([2]) بدائع الصنائع (2/95).
([3]) المدونة الكبرى (1/180).
([4]) المجموع (6/269).
([5]) المغني (4/406).
([6]) المحلى (6/243).
([7]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر رقم (1116).
([8]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر ... رقم (1113).
([9]) صحيح مسلم بشرح النووي (7/328).
([10]) المجموع (6/271).
([11]) مجموع الفتاوى (22/287).
6. الخلو من الموانع: الحيض والنفاس.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في
أضحى ـ أو في فطر ـ إلى المصلَّى، فمر على النساء فقال: ((يا معشر النساء
تصدَّقن، فإني أُريتكُنَّ أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال:
تُكِثْرنَ اللَّعن، وَتَكفُرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهَبَ
للبِّ الرجلِ الحازم من إحداكنَّ، قلن: وما نقصانُ دينِنا وعَقْلنِا يا
رسول الله ؟ قال: أليس شهادةُ المرأةِ مثلُ نصفِ شهادةِ الرجل؟ قلن: بلى،
قال: فذَلكَ من نقصان عَقْلِها. أليس إذا حاضتْ لم تُصَلِّ ولم تصم؟ قلن:
بَلى، قال: فذلكِ من نقصانِ دِينها))([1]).
قال ابن بطال: "قوله عليه السلام: ((أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم)) نص
أن الحائض يسقط عنها فرض الصلاة، ولا يجوز لها الصوم في أيام حيضها،
والأُمَّةُ على ذلك، وأجمعوا أن عليها قضاء ما تركت من الصيام، ولا قضاء
عليها للصلاة، إلاَّ طائفة من الخوارج يرون عليها قضاء الصلاة، وعلماء
الأُمَّة من السلف والخلف على خلافهم"([2]).
قال شيخ الإسلام ابن يتيمة: "كما يحرم على الحائض الصلاة والصيام بالنَّص، والإجماع؛ ومس المصحف عند عامة العلماء"([3]).
وقال أيضاً: "وخروج دم الحيض والنفاس يُفَطِّرُ باتفاق العلماء"([4]).