أسباب المغفرة في رمضان
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى عليه وسلم قال: { من صام رمضانإيماناً
واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً
غُفر له ما تقدم من ذنبه }رواه مسلم وعنه قال: قال : { من قام رمضانإيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه } [ رواهما البخاري ومسلم ].
دل حديث أبي هريرة على أن هذه الأسباب الثلاثة كل واحد منها مكفر لما سلف
من الذنوب، وهي صيام رمضان، وقيامه، وقيام ليلة القدر، فقيام ليلة القدر
بمجرده يكفر الذنوب لمن وقعت له، سواء كانت في أول العشرأو أوسطه أو آخره، وسواء شعر بها أو لم يشعر، ولا يتأخر تكفير الذنوب بها إلى انقضاء الشهر.
وأما صيام رمضانوقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر، فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضانوقيامه، فيترتب له على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه بتمام السببين، وهما صيام رمضانوقيامه.
فإذا كمل الصائمون صيام رمضانوقيامه
فقد وفوا ما عليهم من العمل، وبقى ما لهم من الأجر وهو المغفرة؛ فإذا
خرجوا يوم عيد الفطر إلى الصلاة قُسمت عليهم أجورهم، فرجعوا إلى منازلهم
وقد استوفوا الأجر واستكملوه، ومن نقص من العمل الذي عليه نُقص من الأجر
بحسب نَقصِه، فلا يَلُم إلا نفسه. قال سلمان: الصلاة مكيال، فمن وفى وفي
له، ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين. فالصيام وسائر الأعمال على هذا
المنوال؛ من وفاها فهو من خيار عباد الله الموفين، ومن طفف فيها فويل
للمطففين. أما يستحي من يستوفي مكيال شهواته، ويطفف في مكيال صيامه وصلاته.
غداً تُوفّى النفوس ما كسبت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد
ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء الذين يُؤتُونَ مَاآتَوا وَقُلُوبُهُم
وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]. رُوي عن علي رضي اللّه عنه، قال: كونوا لقبول
العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: إِنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].
وعن الحسن قال: ( إن الله جعل شهر رمضانمضماراً
لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون
فخابوا ). فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر
فيه المبطلون.
ومن أسباب المغفرة فيه أيضاً: تفطير الصوام، والتخفيف عن المملوك، ومنها
الذكر، ومنها الاستغفار، والاستغفار طلب المغفرة، ودعاء الصائم يستجاب في
صيامه وعند فطره، ومنها استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا، فلما كثرت
أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته المغفرة فيه محروماً غاية الحرمان.
فمتى يُغفر لمن لا يغفر له في هذا الشهر؟ متى يُقبل من رُد في ليلة القدر؟
متى يصلح من لا يصلح في رمضان؟ متى يصح من كان به فيه من داء الجهالة
والغفلة مرضان؟ كلّ ما لا يثمر من الأشجار في أوان الثمار فإنه يُقطع ثم
يوقد في النار، من فرط في الزرع في وقت البِذار لم يحصد يوم الحصاد غير
الندم والخسار.