صوم الوصال:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: ((إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى))([22]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال
رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: ((إني لست كهيأتكم، إني يطعمني ربي
ويسقين))([23]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الوصال في الصوم، فقال له رجلٌ من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال:
((وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين))، فلما أبوا أن ينتهوا عن
الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخّر
لزدتكم))، كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا([24]).
قال ابن قدامة: "الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين بأكلٍ ولا شرب . وهو
مكروهٌ في قول أكثر أهل العلم – إلى أن قال – وأما النهي فإنما أتى به
رحمةً لهم ورفقاً بهم؛ لما فيه من المشقة عليهم كما نهى عبد الله بن عمرو
عن صيام النهار وقيام الليل، وعن قراءة القرآن في أقلّ من ثلاث، قالت
عائشة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمةً لهم، وهذا لا
يقتضي التحريم، ولهذا لم يفهم منه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التحريم؛
بدليل أنهم واصلوا بعده، ولو فهموا منه التحريم لما استجازوا فعله"([25]).
وقال ابن دقيق العيد: "في الحديث دليل على كراهة الوصال، واختلف الناس فيه،
ونقل عن بعض المتقدمين فعله، ومن الناس من أجازه إلى السحر لحديث أبي سعيد
الخدري([26])، وفي حديث أبي سعيد الخدري دليل على أن النهي عنه نهي كراهة
لا نهي تحريم، وقد يُقال: إن الوصال المنهي عنه ما اتصل باليوم الثاني، فلا
يتناوله الوصال إلى السحر، إلا أن قوله عليه السلام: ((فأيكم أراد أن
يواصل فليواصل إلى السحر)) يقتضي تسميته وصالاً، والنهي عن الوصال يمكن
تعليله بالتعريض بصوم اليوم الثاني، فإن كان واجباً كان بمثابة الحجامة
والفصد وسائر ما يتعرض به الصوم للإبطال، وتكون الكراهة شديدة، وإن كان صوم
نفل ففيه التعريض لإبطال ما شرع فيه من العبادة، وإبطالها إما ممنوع على
مذهب بعض الفقهاء، وإما مكروه، وكيفما كان فعلّة الكراهة موجودة إلا أنها
تختلف رتبتها"([27]).
وقال الحافظ ابن حجر: "... اختلف في المنع المذكور فقيل: على سبيل التحريم،
وقيل على سبيل الكراهة، وقيل: يحرم على من شق عليه، ويباح لمن لم يشق
عليه، وقد اختلف السلف في ذلك فنقل التفصيل عن عبد الله بن الزبير، وروى
ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه أنه كان يواصل خمسة عشر يوماً([28])، وذهب
إليه من الصحابة أيضاً أخت أبي سعيد ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نعم
وعامر بن عبد الله بن الزبير وإبراهيم بن زيد التيمي وأبو الجوزاء كما نقله
أبو نعيم في ترجمته في الحلية([29])، وغيرهم رواه الطبري وغيره، ومن حجتهم
أنه صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه بعد النهي، فلو كان النهي للتحريم
لما أقرهم على فعله، فعلم أنه أراد بالنهي الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما
صرّحت به عائشة في حديثها"([30]).