الإكثار من العبادة:
كان من هدية صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات
فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه
جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في
رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر،
والاعتكاف.
وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور، حتى إنه كان ليواصل
فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن
الوصال([1]).
قال ابن رجب: "وكان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في شهر رمضان على غيره
من الشهور، كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضاً، فإن الله جبله على ما يحبه من
الأخلاق الكريمة، وكان على ذلك قبل البعثة"([2]).
وقال أيضاً: "وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة منها: شرف الزمان، ومضاعفة أجر العمل فيه.
ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم، فيستوجب المعين
لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا.
ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر"([3]).
وقال القسطلاني: "ولما كان شهر رمضان موسم الخيرات ومنبع الجود والبركات ؛
لأن نعم الله فيه تزيد على غيره من الشهور، وكان سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يكثر فيه من العبادات وأنواع القربات الجامعة لوجوه السعادات، من
الصدقة والإحسان، والصلاة، والذكر، والاعتكاف، ويخص به من العبادات ما لا
يخص به غيره من الشهور، كما أن جود ربه تعالى يتضاعف فيه أيضاً، فإن الله
تعالى جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة"([4]).
وإليك بعض العبادات التي لها مزيّة في رمضان:
· الجود، ومدارسة القرآن:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود
الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في
كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين
يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) ([5]).
قال النووي: "وفي هذا الحديث فوائد منها:
بيان عظم جوده عليه الصلاة والسلام، ومنها: استحباب إكثار الجود في رمضان.
ومنها: زيادة الخير عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثر بلقائهم، ومنها: استحباب مدارسة القرآن"([6]).
· القيــام:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ([7]).
قال أبو الوليد الباجي: "... ثم بين الترغيب بقوله: ((من قام رمضان إيماناً
واحتساباً غفر له، ما تقدم من ذنبه))، وهذا من أعظم الترغيب وأولى ما يجب
أن يسارع إليه إذا كان فيه تكفير السيئات التي تقدمت له"([8]).
وقال النووي: "معنى ((إيماناً)) تصديقاً بأنه حق مقتصد فضيلته، ومعنى
((احتساباً)) أن يراد الله تعالى وحده ولا يقصد رؤية الناس، ولا غير ذلك
مما يخالف الإخلاص، والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح، واتفق العلماء على
استحبابها"([9]).
· العمـرة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة
من الأنصار: ((ما منعك أن تحج معنا)) قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان فحج أبو
ولدها وابنها على ناضح وترك لنا ناضحاً ننضح عليه، قال: ((فإذا جاء رمضان
فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة))([10]).
قال النووي: "أي: تقوم مقامها في الثواب، لا أنها تعدلها في كل شيء"([11]).