ليلة القدر
قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي
لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:1-3]. وعن أبي هريرة
عن النبي أنه قال في شهر رمضان: { فيه ليلة خير من ألف شهر، منَ حُرم
خيرها فقد حُرم } [رواه أحمد والنسائي]. وقال مالك: بلغني أن رسول الله صلى
اللّه عليه وسلم أُرِي أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه
تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العُمر،
فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر.
وأما العمل في ليلة القدر فقد ثبت عن النبي أنه قال: { من قام ليلة القدر
إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه } وقيامها إنما هو إحياؤها
بالتهجد فيها والصلاة، وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضاً.
قال سفيان الثوري: الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة. ومراده أن
كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان
حسناً. وقد كان النبي يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر
بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة
والقراءة والدعاء والتفكير. وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشروغيرها.
وقالت عائشة رضي الله عنها للنبي : أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول
فيها؟ قال: { قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفُ عني } والعفو من أسماء
الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يُحبُ
العفو ؛ فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض ؛ فإذا
عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته. وكان النبي
يقول: { أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك } [رواه مسلم].
وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي
ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاً
صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً، فيرجعون إلى سؤال العفو الُمذنب المقصر.